الأربعاء، 5 نوفمبر 2014

[أصول الفقه] البيان

بسم الله الرحمن الرحيم
البيان
تعريفه، مراتبه، هل يجوز بيان النص بما هو دونه سندا ودلالة؟، جواز بيان مجمل الكتاب والسنة، مسألة تأخير البيان ومتى يجب؟ تحرير محل النزاع وذكر الخلاف فيه، والتخريج على قاعدة البيان.

تعريفه:
(البيان) لغة: الإيضاح والكشف. و(المبيَّن) الموضح.
اص: يطلق على الدليل الذي أوضح المقصود بالمجمل، وهو (المبيِّن).
ويطلق على الخطاب الواضح ابتداء.
فـ(المبين) إخراج الشيء من حيز الإشكال إلى حيز الوضوح. وهذا يقابل المجمل.
وقيل: ما دل على معنى معين من غير إبهام. وهذا أعم.

مراتب البيان
بم يكون البيان؟ له مراتب
فيحصل بأمور بعضها اقوى من بعض:
1- القول
وهو الكلام المسموع، وهذا هو غالب البيان الحاصل في الشريعة، كبيان أنصبة الزكاة والقدر الواجب فيها بالقول، ومنه قوله تعالى ((إلا ما يتلى عليكم)) بقوله ((حرمت عليكم الميتة)).

2- الفعل
وهو أن يفعل النبي صلى الله عليه وسلم ما يبين مجمل القرآن أو سنة سابقة، كبيان صفة الصلاة.

3- الكتابة
وهو أن يكتب النبي صلى الله عليه وسلم ما يبين بعض الفرائض، ككتابه لأهل اليمن الذي فيه بيان زكاة بهيمة الأنعام.

4- الإشارة
بأن يشير النبي صلى الله عليه وسلم إلى المراد، كقوله (الشهر هكذا وهكذا وهكذا) وأشار بأصابعه في كل منها بما يبين المراد.

5- التنبيه
بالإيماء إلى المعنى الذي يعلق عليه الحكم حتى يكون علة له، يوجد الحكم بوجودها.
كقوله عليه الصلاة والسلام (أينقص الرطب إذا جف) إشارة إلى أن العلة في التحريم عدم تساوي الرطب والتمر.

6- الترك
أن يترك النبي صلى الله عليه وسلم فعل الشيء مع قيام الداعي له، كما ترك الوضوء مما مسته النار مع أنه كان يتوضأ من الأكل مما مسته النار، ففهم الصحابة من فعله نسخ الحكم السابق.
وقد يجعل الترك داخلا في الفعل؛ لأن الأكثر يعدون الترك فعلا للضد مع قيام الداعي.
- والترك إن كان مع وجود المقتضي الداعي للفعل دل على عدم المشروعية، مثل: ترك أخذ الزكاة من الخضروات.
- وأما الترك المطلق فإنما يكون دليلا على عدم الوجوب، مثل: ترك مباشرة الأذان والإقامة لا يدل على كراهتها له ولا للأئمة بعده.
وليس كل ترك يمكن أن يكون بيانا، لأن النبي عليه الصلاة والسلام قد يترك فعل الشيء لعدم وجود الداعي له، كما ترك جمع القرآن في مصحف.

هل يجوز بيان النص بما هو دونه سندا ودلالة؟
ج: يجوز وهو قول الجمهور، فتبين المتواترات بالآحاد ، وبيان المنطوق بالمفهوم.

جواز بيان مجمل الكتاب والسنة
فيجوز بيان مجمل الكتاب بالسنة الصحيحة متواترة كانت أو آحادا، لقوله تعالى ((وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم))
وهذا يشمل بيان مجمله، وتخصيص عمومه، وتقييد مطلقه.
- بيان مجمله: ((وأقيموا الصلاة)) بفعل النبي صلى الله عليه وسلم.
- تخصيص عمومه: ((وأحل لكم ما وراء ذلكم)) بقوله عليه الصلاة والسلام (لا تنكح المرأة على عمتها أو خالتها).
- تقييد مطلقه: ((حتى تنكح زوجا غيره)) بقوله عليه الصلاة والسلام (حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك).

تأخير البيان
إما أن يكون تأخيرا عن وقت الحاجة أو تأخيرا عن وقت الخطاب إلى وقت الحاجة.
(وقت الحاجة) الوقت الذي يحتاج فيه المكلف إلى البيان؛ ليتمكن من الامتثال.
(وقت الخطاب) الوقت الذي يسمع فيه المكلف الخطاب، سواء أكان قرآنا أو سنة.

ولا خلاف في عدم جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة.
واختلفوا في تأخير البيان عن وقت الخطاب إلى وقت الحاجة إلى الفعل
فهل يمكن أن يخاطب الشارع المكلفين بخطاب مجمل فيه تكليف مطلق أو مؤقت بوقت لم يأت بعد، ويؤخر بيانه إلى أن يأتي وقت العمل؟
1- [أكثر العلماء م ش أ] جوازه مطلقا
¬  قوله تعالى ((فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ، ثم إن علينا بيانه)) أن الله عطف البيان على الأمر بالاتباع بحرف (ثم)، وهي للترتيب مع التراخي.
¬  قوله تعالى لنوح ((إنا منجوك وأهلك)) مع ((إنه ليس من أهلك))، فلفظ (أهلك) يشمل الأبناء، ولهذا فهم نوح عليه السلام دخول ابنه في الناجين فقال ((أن ابني من أهلي)) فبين الله بيانا متأخرا أن ابنه ليس من أهله الناجين ((إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح)).
¬  ((وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة)) مع الأحاديث الكثيرة التي بينت صفة الصلاة ومقادير الزكاة، ولا يمكن أن يزعم أن بيانها كان مقارنا لنزول الآيات.
2- [أكثر ح والمعتزلة وبعض ش] المنع مطلقا.
3- [بعض المعتزلة] جواز تأخير بيان المجمل دون غيره.

التخريج على قاعدة تأخير البيان
الشق الأول: عدم جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة، خرجوا عليه قواعد، من أهمها:
1- حجية تقرير النبي صلى الله عليه وسلم لما فُعل أو قيل بحضرته أو في زمنه وعلم به.
2- عند الشافعي، من قواعد العموم: ترك الاستفصال في مقام الإجمال ينزل منزلة العموم في المقال.
أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا سئل عن مسألة تحتمل أكثر من وجه فأفتى فيها من غير استفصال من السائل دل ذلك على أن حكم جميع الأوجه واحد.
3- الأصل إجراء العام على عمومه والمطلق على إطلاقه.

الثاني: جواز تأخير البيان إلى وقت الحاجة، انبنى على الخلاف فيه مسائل، من أهمها:

- الخاص المتأخر عن العام هل يعد مخصصا أو ناسخا لما يقابله من أفراد العام؟

[أصول الفقه] النص والظاهر والمجمل -دلالة اللفظ من حيث الظهور والخفاء-

بسم الله الرحمن الرحيم
دلالة اللفظ من حيث الظهور والخفاء (النص والظاهر والمجمل)
برهان الحصر في الثلاثة، وحكمهم،
النص: تعريفه، الظاهر: تعريفه، وبم يكون الترجيح لأحد معنييه، المؤول: تعريفه، التأويل تعريفه وأنواعه، شروط التأويل الصحيح، لفظ التأويل في نصوص الشرع، المجمل: تعريفه، أسباب الإجمال ومواضعه، الفرق بين المجمل والمشترك

ينقسم اللفظ من حيث قوة ظهوره ودلالته عند الجمهور إلى (3) أقسام:
1- النص. 2-الظاهر. 3-المجمل.
وبرهان الحصر في الثلاثة أن الكلام إما أن يحتمل معنى واحدا فقط فهو (النص)
أو يحتمل معنيين فأكثر:
الأظهر منهما والأرجح هو (الظاهر)، أو لا رجحان في أحد معانيه فهو (المجمل).

حكم (النص) لا يعدل عنه إلا بنسخ
و(الظاهر) لا يعدل عنه إلا بدليل على المعنى المرجوح
و(المجمل) يتوقف العمل به حتى يرد دليل على تعيين المراد.

أولا: النص
(النص) لغة: الكشف والظهور.
اص: ما احتمل معنى واحدا فقط
أو هو ما دل على معناه دلالة لا تحتمل التأويل.
كقوله تعالى ((فاجلدوهم ثمانين جلدة)) على مقدار الجلد.
حكمه: دلالته قطعية، ويجب العمل به، ولا يجوز العدول عنه إلا بنسخ.

إطلاقاته:
- يطلق النص في الاصطلاح على ما يقابل الظاهر والمجمل على ما ذكرنا : ما دل على معناه ...
- ويطلق في مقابل الدليل العقلي أو الدليل من المعنى فيقصد به النقل، سواء كان نصا صريحا أو ظاهرا أو مجملا، كما يقول الفقهاء دليلنا النص والقياس.

ثانيا: الظاهر
(الظاهر) لغة: الواضح البين
اص: ما احتمل معنيين هو في أحدهما أظهر.
أو ما احتمل معنيين وأريد الراجح منهما.
حكمه: يجب أن يصار إلى المعنى الراجح ولا يجوز تركه إلا بدليل -هو التأويل-.

كيف يكون الترجيح في أحد المعنيين من الظاهر؟ (3)
1- بالوضع: كالأسد، فإنه موضوع للحيوان المفترس فيترجح فيه، ويحتمل الرجل الشجاع.
2- بالعرف الخاص: كالصلاة في عرف الشرع، فإن لفظ الصلاة معناه الراجح الأفعال ... إلخ التعريف، ويحتمل الدعاء.
3- بالعرف العام: كالدابة راجحة في ذوات الأربع، مرجوحة في كل ما يدب.

(المؤول) لغة: اسم مفعول من التأويل، فمعناه: المرجوع به، والتأويل: الرجوع.
اص: اللفظ المحمول على الاحتمال المرجوح بدليل. -أو- اللفظ المصروف عن ظاهره بدليل.
(التأويل) حمل اللفظ على الاحتمال المرجوح بدليل. -أو- صرف اللفظ عن ظاهره إلى محتمل مرجوح بدليل.
وهو إما صحيح أو فاسد:
1- (التأويل الصحيح) حمل اللفظ على الاحتمال غير المتبادر للذهن بدليل يقتضي ذلك.
مثل: تخصيص العام بدليل خاص، كقوله تعالى ((وأحل الله البيع وحرم الربا)) بالأحاديث الدالة على تحريم بيع الغرر بأنواعه.
2- (التأويل الفاسد) حمل اللفظ على الاحتمال غير المتبادر للذهن بدليل ضعيف لا يقوى على صرف اللفظ عن ظاهره.
مثال: تفسير اليد بالقدرة في قوله تعالى ((يد الله فوق أيديهم))
وكتأويل الحنفية لحديث (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل) بأن المراد بها الصغيرة أو الأمة أو المكاتبة.

شروط التأويل الصحيح: (2)
1- أن يكون اللفظ محتملا للمعنى الذي يراد صرفه إليه في لغة العرب أو في عرف الاستعمال.
2- أن يقوم التأويل على دليل صحيح، إما من السياق أو من دليل آخر لا يمكن الجمع بينهما إلا بهذا التأويل.

معنى التأويل شرعا
لم يأت معنى التأويل في نصوص الشرع على المعنى الاصطلاحي
وإنما جاء للمعاني التالية:
1- ما يؤول إليه الأمر، كحقائق ما أخبر الله من البعث والحساب كما في قوله تعالى ((وما يعلم تأويله إلا الله)) بناء على الوقف عند اسم الله تعالى.
2- التفسير، كقوله صلى الله عليه وسلم لابن عباس (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل) وقوله تعالى ((وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين)).
3- صرف اللفظ عن معناه الصحيح إلى معنى فاسد غير مراد ((فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله)).

ثالثا: المجمل
(المجمل) لغة: المبهم.
اص: ما دل على أحد معنيين لا مزية لأحدهما على الآخر بالنسبة إليه.
(بالنسبة إليه) بالنظر إلى اللفظ المجمل وحده، وإن كان أحد المعنيين راجحا لدليل آخر بيّن المجمل.
ونصوص الشرع التكليفية قد بيّنت ولله الحمد، وهناك نصوص باقية على إجمالها لا يتعلق بها تكليف.
مثال النصوص التي بينت:
- اسم: القرء، فإنه يحتمل الطهر والحيض.
- حرف: الواو، في ((فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه)) محتملة للتبعيض وابتداء الغاية.
- فعل: عسعس، مشترك بين أقبل وأدبر.

ومثال المجمل الباقي على إجماله: الحروف المقطعة في أوائل السور، وقد خص كثير من العلماء هذا النوع من المجمل باسم خاص وهو المتشابه.
وعلى ذلك لا يوجد مجمل لم يبين، وإنما متشابه استأثر الله بعلمه أو علمه الراسخون دون غيرهم.

حكمه: لا يجوز العمل بأحد محتملاته، إلا بدليل خارجي خاص مبين للمراد. فالتوقف حتى يعرف البيان.

أسباب الإجمال:
1- الاشتراك اللفظي
كالاشتراك الأصلي في لفظ القرء، أو الاشتراك في الصيغة كلفظ المحيض.
2- اشتهار المجاز وكثرة استعماله
3- الإطلاق أو التعميم في موضع لا يمكن العمل فيه بالمعنى الظاهر من اللفظ لافتقاره إلى التحديد
كقوله تعالى ((وءاتوا حقه يوم حصاده)) فالحق مطلق غير محدود ولا معروف المقدار.

من مواضع الإجمال وأسبابه الأخرى:
1- يكون في حرف، كالواو المترددة بين التبعيض وابتداء الغاية.
2- ويكون في اسم، إما للاشتراك الأصلي، أو الاشتراك في الصيغة.
3- ويكون في اسم أو فعل لأجل التصريف نحو "يضار" يحتمل أن يكون مبنيا للفاعل أو مبنيا للمجهول فيختلف المعنى.
4- ويكون في مركب مثل ((أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح)) يحتمل الولي ويحتمل الزوج.
5- ويكون لأجل التقدير ((وترغبون أن تنكحوهن)) إما تقدير ترغبون نكاحهن لجمالهن ونحوه، أو تقدير ترغبون عن نكاحهن لفقرهن ونحوه.
6- ويكون في مرجع صفة مثل "زيد طبيب ماهر" هل يعود الوصف على طبيب، أم لذات زيد فيكون ماهرا في الطب وغيره.
7- ويكون في مرجع ضمير مثل ((لا يمسه إلا المطهرون)) الكتاب المكنون وإما القرآن الكريم.

الفرق بين المجمل والمشترك:
- المجمل: كون الدليل مجملا أمر نسبي يختلف من عالم لآخر بحسب ما وصل إليه باجتهاده.
وأما الاشتراك: فاللفظ قد يكون مشتركا ولكنه يستعمل في أحد معانيه فلا يكون مجملا، وقد يغمض منه فيكون مجملا.
- الإجمال في الأدلة الشرعية قد بين، ولم يبق لفظ مجمل لا بيان له على الراجح.
وأما الاشتراك فلا ينتهي في اللغة
فالكلام في الاشتراك بحث لغوي صرف

وأما الإجمال فهو أصل يجب ألا يخلو منه كتاب في أصول الفقه.

[أصول الفقه] سد الذرائع

بسم الله الرحمن الرحيم
سد الذرائع
التعريف، الأقوال والأفعال المؤدية إلى المفسدة 4 أقسام، أدلة العمل بسد الذرائع

التعريف:
(الذرائع) جمع ذريعة، وهي الوسيلة المؤدية إلى الشيء، سواء أكان مصلحة أم مفسدة.
(سد الذرائع) منع الوسائل المفضية إلى المفاسد.

الأقوال والأفعال المؤدية إلى المفسدة (4) أقسام :
1- وسيلة موضوعة للإفضاء إلى المفسدة قطعا، كشرب الخمر.
حكمه: ممنوع إما على التحريم أو الكراهة بحسب درجته في المفسدة، بلا خلاف.
2- وسيلة موضوعة للإفضاء إلى المباح، ولكن قصد بها التوسل إلى المفسدة، كعقد النكاح بقصد تحليل الزوجة لزوجها الأول الذي طلقها ثلاثا.
حكمه: فيه خلاف.
3- وسيلة موضوعة للإفضاء إلى المباح، ولم يقصد بها التوسل إلى المفسدة، ولكنها تؤدي إليها غالبا، ومفسدتها أرجح، كسب آلهة الكفار علنا إذا كان يفضي إلى سب الله عز وجل.
حكمه: فيه خلاف.
4- وسيلة موضوعة للإفضاء إلى المباح، وقد تفضي إلى المفسدة، ومصلحتها أرجح، كالنظر إلى المخطوبة، والمشهود عليها.
حكمه: مشروع إما على الوجوب أو الاستحباب، بحسب درجته، بلا خلاف.

فموضع النزاع في الثاني والثالث: هل منعته الشريعة؟
1- [م أ] نعم، وسد الذرائع دليل شرعي تبنى عليه الأحكام.
2- [ح ش ظ] لا، إلا أن يرد نص أو إجماع أو قياس.

أدلة العمل بسد الذرائع:
1- (( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم )) فمنع من سب آلهتهم التي تستحق ذلك، سدا للذريعة المؤدية إلى المفسدة وهي سب الله تعالى.
2- (( يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا )) نهى الله المؤمنين أن يقولوا للرسول صلى الله عليه وسلم راعنا -أي انتظرنا- منعا لذريعة التشبه باليهود الذين كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم راعنا، من الرعونة أي السفه.

3- (هدايا العمال غلول) منع الشارع القاضي من أخذ الهدية لئلا يكون ذريعة إلى أخذ الرشوة. وغيرها الكثير من الأحكام.